تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 31 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 31

31 : تفسير الصفحة رقم 31 من القرآن الكريم

** الْحَجّ أَشْهُرٌ مّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنّ الْحَجّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوّدُواْ فَإِنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَىَ وَاتّقُونِ يَأُوْلِي الألْبَابِ
اختلف أهل العربية في قوله {الحج أشهر معلومات} فقال بعضهم: تقديره الحج حج أشهر معلومات, فعلى هذا التقدير يكون الإحرام بالحج فيها أكمل من الإحرام فيما عداها وإن كان ذاك صحيحاً, والقول بصحة الإحرام بالحج في جميع السنة مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه, وبه يقول إبراهيم النخعي والثوري والليث بن سعد واحتج لهم بقوله تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} وبأنه أحد النسكين, فصح الإحرام به في جميع السنة كالعمرة. وذهب الشافعي رحمه الله, إلى أنه لا يصح الإحرام بالحج إلا في أشهره, فلو أحرم به قبلها لم ينعقد إحرامه به وهل ينعقد عمرة, فيه قولان عنه. والقول بأنه لا يصح الإحرام بالحج إلا في أشهره مروي عن ابن عباس وجابر, وبه يقول عطاء وطاوس ومجاهد رحمهم الله, والدليل عليه قوله {الحج أشهر معلومات} وظاهره التقدير الاَخر الذي ذهب إليه النحاة, وهو أن وقت الحج أشهر معلومات فخصصه بها من بين سائر شهور السنة, فدل على أنه لا يصح قبلها كميقات الصلاة, وقال الشافعي رحمه الله: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج, أخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة, عن ابن عباس أنه قال: لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في شهور الحج من أجل قول الله تعالى: {الحج أشهر معلومات} وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن يحيى بن مالك السوسي عن حجاج بن محمد الأعور, عن ابن جريج به, ورواه ابن مردويه في تفسيره من طريقين عن حجاج بن أرطاة, عن الحاكم بن عتيبة, عن مقسم عن ابن عباس أنه قال: من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج, وقال ابن خزيمة في صحيحه: حدثنا أبو كريب, حدثنا أبو خالد الأحمر عن شعبة, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس, قال: لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج, فإن من سنة الحج أن يحرم في أشهر الحج, وهذا إسناد صحيح, وقول الصحابي من السنة كذا في حكم المرفوع عند الأكثرين, ولا سيما قول ابن عباس تفسيراً للقرآن وهو ترجمانه. وقد ورد فيه حديث مرفوع, قال ابن مردويه: حدثنا عبد الباقي, حدثنا نافع, حدثنا الحسن بن المثنى, حدثنا أبو حذيفة, حدثنا سفيان عن أبي الزبير, عن جابر, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج» وإسناده لا بأس به, لكن رواه الشافعي والبيهقي من طرق عن ابن جريج, عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل: أيهلّ بالحج قبل أشهر الحج ؟ فقال: لا, وهذا الموقوف أصح وأثبت من المرفوع, ويبقى حينئذٍ مذهب صحابي يتقوى بقول ابن عباس من السنة: أن لا يحرم بالحج إلا في أشهره, والله أعلم.
وقوله {أشهر معلومات} قال البخاري: قال ابن عمر: هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة, وهذا الذي علقه البخاري بصيغة الجزم, رواه ابن جرير موصولاً, حدثنا أحمد بن حازم بن أبي برزة, حدثنا أبو نعيم, حدثنا ورقاء عن عبد الله بن دينار, عن ابن عمر {الحج أشهر معلومات} قال: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة, إسناد صحيح, وقد رواه الحاكم أيضاً في مستدركه عن الأصم, عن الحسن بن علي بن عفان, عن عبد الله بن نمير, عن عبد الله عن نافع, عن ابن عمرو فذكره وقال: هو على شرط الشيخين, (قلت) وهو مروي عن عمر وعلي وابن مسعود وعبد الله بن الزبير وابن عباس وعطاء وطاوس ومجاهد وإبراهيم النخعي والشعبي والحسن وابن سيرين ومكحول وقتادة والضحاك بن مزاحم والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان, وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وأبي يوسف وأبي ثور رحمهم الله, واختار هذا القول ابن جرير, قال: وصح إطلاق الجمع على شهرين وبعض الثالث للتغليب, كما يقول العرب: رأيته العام ورأيته اليوم, وإنما وقع ذلك في بعض العام واليوم {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} وإنما تعجل في يوم ونصف يوم, وقال الإمام مالك بن أنس والشافعي في القديم: هي شوال وذو القعدة وذو الحجة بكماله, وهو رواية عن ابن عمر أيضاً, قال ابن جرير: حدثنا أحمد بن إسحاق, حدثنا أبو أحمد, حدثنا شريك عن إبراهيم بن مهاجر, عن مجاهد, عن ابن عمر, قال: شوال وذو القعدة وذو الحجة, وقال ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا يونس بن عبد الأعلى, حدثنا ابن وهب, أخبرني ابن جريج, قال: قلت لنافع: أسمعت عبد الله بن عمر يسمي شهور الحج . قال: نعم, كان عبد الله يسمي شوالا وذا القعدة وذا الحجة, قال ابن جريج: وقال ذلك ابن شهاب وعطاء وجابر بن عبد الله صاحب النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا إسناد صحيح إلى ابن جريج, وقد حكى هذا أيضاً عن طاوس ومجاهد وعروة بن الزبير والربيع بن أنس وقتادة, وجاء فيه حديث مرفوع لكنه موضوع, رواه الحافظ بن مردويه من طريق حصين بن مخارق, وهو متهم بالوضع, عن يونس بن عبيد عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحج أشهر معلومات: شوال وذو القعدة وذو الحجة» وهذا كما رأيت لا يصح رفعه والله أعلم, وفائدة مذهب مالك أنه إلى آخر ذي الحجة بمعنى أنه مختص بالحج, فيكره الاعتمار في بقية ذي الحجة, لا أنه يصح الحج بعد ليلة النحر, قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان, حدثنا أبو معاوية عن الأعمش, عن قيس بن مسلم, عن طارق بن شهاب قال: قال عبد الله: الحج أشهر معلومات, ليس فيها عمرة, وهذا إسناد صحيح, قال ابن جرير: وإنما أراد من ذهب إلى أن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة أن هذه الأشهر ليست أشهر العمرة إنما هي للحج وإن كان عمل الحج قد انقضى بانقضاء أيام منى, كما قال محمد بن سيرين: ما أحد من أهل العلم يشك في أن عمرة في غير أشهر الحج أفضل من عمرة في أشهر الحج, وقال ابن عون: سألت القاسم بن محمد عن العمرة في أشهر الحج فقال: كانوا لا يرونها تامة. (قلت) وقد ثبت عن عمر وعثمان رضي الله عنهما, أنهما كان يحبان الاعتمار في غير أشهر الحج وينهيان عن ذلك في أشهر الحج, والله أعلم.
وقوله {فمن فرض فيهنّ الحج} أي أوجب بإحرامه حجاً, فيه دلالة على لزوم الإحرام بالحج والمضي فيه, قال ابن جرير: أجمعوا على أن المراد من الفرض ههنا الإيجاب والإلزام, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {فمن فرض فيهنّ الحج} يقول: من أحرم بحج أو عمرة, وقال عطاء: الفرض الإحرام. وكذا قال إبراهيم والضحاك وغيرهم. وقال ابن جرير: أخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة, عن ابن عباس أنه قال {فمن فرض فيهنّ الحج} فلا ينبغي أن يلبي بالحج ثم يقيم بأرض. قال ابن أبي حاتم: روي عن ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير ومجاهد وعطاء وإبراهيم النخعي وعكرمة والضحاك وقتادة وسفيان الثوري والزهري ومقاتل بن حيان: نحو ذلك, وقال طاوس والقاسم بن محمد: هو التلبية. وقوله {فلا رفث} أي من أحرم بالحج أو العمرة فليجتنب الرفث, وهو الجماع, كما قال تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} وكذلك يحرم تعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك, كذلك التكلم به بحضرة النساء, قال ابن جرير: حدثني يونس, أخبرنا ابن وهب, أخبرني يونس: أن نافعاً أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول: الرفث إتيان النساء والتكلم بذلك للرجال والنساء إذا ذكروا ذلك بأفواهم, قال ابن وهب: وأخبرني أبو صخر عن محمد بن كعب مثله, قال ابن جرير: وحدثنا محمد بن بشار, حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن قتادة, عن رجل, عن أبي العالية الرياحي, عن ابن عباس, أنه كان يحدو وهو محرم, وهو يقول:
وهنّ يمشين بنا هميساإن يصدق الطير ننك لميسا

وقال أبوالعالية: فقلت: تكلم بالرفث وأنت محرم ؟ قال: إنما الرفث ما قيل عند النساء. ورواه الأعمش عن زياد بن حصين عن أبي العالية عن ابن عباس فذكره. وقال ابن جرير أيضاً, حدثني أبي حصين بن قيس, قال: أصعدت مع ابن عباس في الحاج, وكنت خليله, فلما كان بعد إحرامنا وقال ابن عباس: فأخذ بذنب بعيره فجعل يلويه ويرتجز ويقول:
وهن يمشين بنا هميساإن تصدق الطير ننك لميسا

قال فقلت: أترفث وأنت محرم ؟ فقال: إنما الرفث ما قيل عند النساء. وقال عبد الله بن طاوس عن أبيه: سألت ابن عباس عن قول الله عز وجل: {فلا رفث ولا فسوق} ؟ قال: الرفث التعريض بذكر الجماع, وهي العرابة في كلام العرب, وهو أدنى الرفث, وقال عطاء بن أبي رباح: الرفث الجماع وما دونه من قول الفحش وكذا قال عمرو بن دينار وقال عطاء: كانوا يكرهون العرابة, وهو التعريض وهو محرم. وقال طاوس: هو أن يقول للمرأة إذا حللت أصبتك, وكذا قال أبو العالية, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الرفث غشيان النساء والقبلة والغمز, وأن يعرض لها بالفحش من الكلام ونحو ذلك, وقال ابن عباس أيضاً وابن عمر: الرفث غشيان النساء وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وإبراهيم وأبو العالية عن عطاء ومكحول وعطاء الخراساني وعطاء بن يسار وعطية وإبراهيم النخعي والربيع والزهري والسدي ومالك بن أنس ومقاتل بن حيان وعبد الكريم بن مالك والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم.
وقوله {فلا فسوق} قال: مقسم وغير واحد, عن ابن عباس هي المعاصي, وكذا قال عطاء ومجاهد وطاوس وعكرمة وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب والحسن وقتادة وإبراهيم النخعي والزهري والربيع بن أنس وعطاء بن يسار وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان, وقال محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر, قال: الفسوق ما أصيب من معاصي الله صيداً أو غيره, وكذا روى ابن وهب عن يونس عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: الفسوق إتيان معاصي الله في الحرم, وقال آخرون: الفسوق ههنا السباب قال ابن عباس وابن عمر وابن الزبير ومجاهد والسدي وإبراهيم النخعي والحسن, وقد يتمسك هؤلاء بما ثبت في الصحيح «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» ولهذا رواه ههنا الحبر أبو محمد بن أبي حاتم من حديث سفيان الثوري عن زبيد, عن أبي وائل, عن عبد الله, عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال: «سباب المسلم فسوق, وقتاله كفر», وروي من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه, ومن حديث أبي إسحاق عن محمد بن سعد عن أبيه وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الفسوق ههنا الذبح للأصنام, قال الله تعالى: {أو فسقاً أهل لغير الله به}, وقال الضحاك: الفسوق التنابز بالألقاب, والذين قالوا: الفسوق ههنا هو جميع المعاصي الصواب معهم, كما نهى تعالى عن الظلم في الأشهر الحرم, وإن كان في جميع السنة منهياً عنه, إلا أنه في الأشهر الحرم آكد, ولهذا قال {منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم} وقال في الحرم {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} واختار ابن جرير أن الفسوق ههنا ارتكاب ما نهى عنه في الإحرام من قتل الصيد وحلق الشعر وقلم الأظفار ونحو ذلك, كما تقدم عن ابن عمر, وما ذكرناه أولى, والله أعلم, وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي حازم عن أبي هريرة, قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من حج هذا البيت, فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»
وقوله {ولا جدال في الحج} فيه قولان: (أحدهما) ولا مجادلة في وقت الحج في مناسكه, وقد بينه الله أتم بيان, ووضحه أكمل إيضاح, كما قال وكيع عن العلاء بن عبد الكريم: سمعت مجاهداً يقول {ولا جدال في الحج} قد بين الله أشهر الحج فليس فيه جدال بين الناس. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد {ولا جدال في الحج} قال: لا شهر ينسأ ولا جدال في الحج قد تبين ثم ذكر كيفية ما كان المشركون يصنعون في النسيء الذي ذمهم الله به. وقال الثوري, عن عبد العزيز بن رفيع, عن مجاهد في قوله {ولا جدال في الحج} قال: قد استقام الحج. فلا جدال فيه, وكذا قال السدي. وقال هشيم: أخبرنا حجاج عن عطاء, عن ابن عباس {ولا جدال في الحج} قال: المراء في الحج. وقال عبد الله بن وهب: قال مالك: قال الله تعالى: {ولا جدال في الحج} فالجدال في الحج ـ والله أعلم ـ أن قريشاً كانت تقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة, وكانت العرب وغيرهم يقفون بعرفة, وكانوا يتجادلون يقول هؤلاء: نحن أصوب ويقول هؤلاء: نحن أصوب, فهذا فيما نرى, والله أعلم, وقال ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كانوا يقفون مواقف مختلفة يتجادلون كلهم يدعي أن موقفه موقف إبراهيم, فقطعه الله حين أعلم نبيه بالمناسك, وقال ابن وهب: عن أبي صخر, عن محمد بن كعب, قال: كانت قريش إذا اجتمعت بمنى قال هؤلاء: حجنا أتم من حجكم, وقال هؤلاء: حجنا أتم من حجكم, وقال حماد بن سلمة, عن جبير بن حبيب, عن القاسم بن محمد أنه قال: الجدال في الحج أن يقول بعضهم: الحج غداً, ويقول بعضهم: الحج اليوم, وقد اختار ابن جرير مضمون هذه الأقوال, وهو قطع التنازع في مناسك الحج, والله أعلم.
(والقول الثاني) أن المراد بالجدال ههنا المخاصمة. قال ابن جرير: حدثنا عبد الحميد بن بيان, حدثنا إسحاق عن شريك, عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص, عن عبد الله بن مسعود في قوله {ولا جدال في الحج} قال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه, وبهذا الإسناد إلى أبي إسحاق عن التميمي, سألت ابن عباس, عن الجدال, قال: المراء تماري صاحبك حتى تغضبه, وكذلك روى مقسم والضحاك عن ابن عباس وكذا قال أبو العالية وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وجابر بن زيد وعطاء الخراساني ومكحول والسدي ومقاتل بن حيان وعمرو بن دينار والضحاك والربيع بن أنس وإبراهيم النخعي وعطاء بن يسار والحسن وقتادة والزهري وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ولا جدال في الحج, المراء والملاحاة حتى تغضب أخاك وصاحبك فنهى الله عن ذلك, وقال إبراهيم النخعي {ولا جدال في الحج} قال: كانوا يكرهون الجدال, وقال محمد بن إسحاق, عن نافع, عن ابن عمر, قال الجدال في الحج السباب والمنازعة, وكذا روى ابن وهب عن يونس, عن نافع: أن ابن عمر كان يقول: الجدال في الحج السباب والمراء والخصومات, وقال ابن أبي حاتم : وروي عن ابن الزبير والحسن وإبراهيم وطاوس ومحمد بن كعب, قالوا الجدال المراء, وقال عبد الله بن المبارك عن يحيى بن بشر, عن عكرمة {ولا جدال في الحج} والجدال الغضب, أن تغضب عليك مسلماً إلا أن تستعتب مملوكاً فتغضبه من غير أن تضربه, فلا بأس عليك إن شاء الله. (قلت) ولو ضربه لكان جائزاً سائغاً, والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن إدريس, حدثنا محمد بن إسحاق, عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه, عن أسماء بنت أبي بكر قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاجاً حتى إذا كنا بالعرج نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست عائشة إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلست إلى جانب أبي, وكانت زمالة أبي بكر وزمالة رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة مع غلام أبي بكر, فجلس أبو بكر ينتظره إلى أن يطلع عليه, فأطلع وليس مع بعيره, فقال: أين بعيرك ؟ فقال: أضللته البارحة, فقال أبو بكر: بعير تضلله ؟ فطفق يضربه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم ويقول «انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع» وهكذا أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث ابن إسحاق, ومن هذاالحديث حكى بعضهم عن بعض السلف أنه قال: من تمام الحج ضرب الجمال, ولكن يستفاد من قول النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر رضي الله عنه «انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع» كهيئة الإنكار اللطيف أن الأولى ترك ذلك, والله أعلم.
وقد قال الإمام عبد بن حميد في مسنده: حدثنا عبيد الله بن موسى, عن موسى بن عبيدة, عن أخيه عبد الله بن عبيد الله, عن جابر بن عبد الله, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قضى نسكه وسلم المسلمون من لسانه ويده, غفر له ما تقدم من ذنبه».
وقوله {وما تفعلوا من خير يعلمه الله} لما نهاهم عن إتيان القبيح قولاً وفعلاً, حثهم على فعل الجميل وأخبرهم أنه عالم به, وسيجزيهم عليه أوفر الجزاء يوم القيامة, وقوله {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} قال العوفي, عن ابن عباس: كان أناس يخرجون من أهليهم ليست معهم أزودة, يقولون: نحج بيت الله ولا يطعمنا ؟ فقال الله: تزودوا ما يكف وجوهكم عن الناس. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار, عن عكرمة: أن ناساً كانوا يحجون بغير زاد فأنزل الله {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} وكذا رواه ابن جرير عن عمرو وهوالفلاس, عن ابن عيينة, قال ابن أبي حاتم: وقد روى هذا الحديث ورقاء عن عمرو بن دينار, عن عكرمة عن ابن عباس, قال وما يرويه عن ابن عيينة أصح. (قلت) قد وراه النسائي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي, عن سفيان بن عيينة, عن عمرو بن دينار, عن عكرمة, عن ابن عباس: كان ناس يحجون بغير زاد, فأنزل الله {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} وأما حديث ورقاء فأخرجه البخاري عن يحيى بن بشر, عن شبابة, وأخرجه أبو داود عن أبي مسعود أحمد بن الفرات الرازي ومحمد بن عبد الله المخزومي عن شبابة عن ورقاء عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس, قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن المتوكلون, فأنزل الله {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} ورواه عبد بن حميد في تفسيره عن شبابة, ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث شبابة به, وروى ابن جرير وابن مردويه من حديث عمرو بن عبد الغفار عن نافع, عن ابن عمر, قال: كانوا إذا أحرموا ومعهم أزوادهم رموا بها واستأنفوا زاداً آخر, فأنزل الله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} فنهوا عن ذلك وأمروا أن يتزودوا الدقيق والسويق والكعك, وكذا قال ابن الزبير وأبو العالية ومجاهد وعكرمة والشعبي والنخعي وسالم بن عبد الله وعطاء الخراساني وقتادة والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان, وقال سعيد بن جبير: فتزودوا الدقيق والسويق والكعك, وقال وكيع بن الجراح في تفسيره: حدثنا سفيان عن محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير {وتزودو} قال الخشكنانج والسويق, قال وكيع أيضاً, حدثنا إبراهيم المكي عن ابن نجيح, عن مجاهد, عن ابن عمر, قال: إن من كرم الرجل طيب زاده في السفر, وزاد فيه حماد بن سلمة عن أبي ريحانة أن ابن عمر كان يشترط على من صحبه الجودة.
وقوله {فإن خير الزاد التقوى} لما أمرهم بالزاد للسفر في الدنيا أرشدهم إلى زاد الاَخرة, وهو استصحاب التقوى إليها, كما قال {وريشاً ولباس التقوى ذلك خير} لما ذكر اللباس الحسي نبه مرشداً إلى اللباس المعنوي, وهوالخشوع والطاعة والتقوى, وذكر أنه خير من هذا وأنفع, قال عطاء الخراساني في قوله {فإن خير الزاد التقوى} يعني زاد الاَخرة, وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا عبدان, حدثنا هشام بن عمار, حدثنا مروان بن معاوية عن إسماعيل, عن قيس, عن جرير عن عبد الله, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من يتزود في الدنيا ينفعه في الاَخرة» وقال مقاتل بن حيان لما نزلت هذه الاَية {وتزودو}: قام رجل من فقراء المسلمين فقال: يا رسول الله, ما نجد ما نتزوده, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تزود ما تكفّ به وجهك عن الناس, وخير ما تزودتم التقوى» رواه ابن أبي حاتم, وقوله {واتقون يا أولي الألباب} يقول: واتقوا عقابي ونكالي وعذابي لمن خالفني ولم يأتمر بأمري, يا ذوي العقول والأفهام.

** لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مّن رّبّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضّآلّينَ
قال البخاري: حدثنا محمد, أخبرني ابن عيينة عن عمرو, عن ابن عباس, قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية, فتأثموا أن يتجروا في الموسم, فنزلت {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} في مواسم الحج. وهكذا رواه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وغير واحد عن سفيان بن عيينة به. ولبعضهم فلماجاء الإسلام تأثموا أن يتجروا, فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك, فأنزل الله هذه الاَية, وكذا رواه ابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس, قال: كان متجر الناس في الجاهلية عكاظ ومجنة وذو المجاز, فلما كان الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت هذه الاَية, وروى أبو داود وغيره من حديث يزيد بن أبي زياد, عن مجاهد, عن ابن عباس, قال: كانوا يتقون البيوع والتجارة في الموسم والحج, يقولون: أيام ذكر, فأنزل الله: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} وقال ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم أخبرنا حجاج عن عطاء عن ابن عباس أنه قال {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} في مواسم الحج, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الاَية: لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده, وهكذا روى العوفي عن ابن عباس, وقال وكيع: حدثنا طلحة بن عمرو الحضرمي عن عطاء, عن ابن عباس أنه كان يقرأ {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} في مواسم الحج, وقال عبد الرحمن, عن ابن عيينة, عن عبد الله بن أبي يزيد: وهكذا فسرها مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة ومنصور بن المعتمر وقتادة وإبراهيم النخعي والربيع بن أنس وغيرهم, وقال ابن جرير: حدثنا الحسن بن عرفة, حدثنا شبابة بن سوار, حدثنا شعبة عن أبي أميمة, سمعت ابن عمر سئل عن الرجل يحج ومعه تجارة, فقرأ ابن عمر {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} وهذا موقوف, وهو قوي جيد, وقد روي مرفوعاً, قال أحمد: حدثنا أسباط, حدثنا الحس بن عمرو الفقيمي عن أبي أمامة التيمي, قال: قلت لابن عمر: إن نكري فهل لنا من حج ؟ قال: أليس تطوفون بالبيت, وتأتون المعرف, وترمون الجمار, وتحلقون رؤوسكم ؟ قال: قلنا: بلى, فقال ابن عمر: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فسأله عن الذي سألتني, فلم يجبه حتى نزل عليه جبرائيل بهذه الاَية {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم, فقال «أنتم حجاج». وقال عبد الرزاق: أخبرنا الثوري عن العلاء بن المسيب, عن رجل من بني تميم, قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمر, فقال: يا أبا عبد الرحمن, إنا نقوم نكري ويزعمون أنه ليس لنا حج, قال: ألستم تحرمون كا يحرمون, وتطوفون كما يطوفون, وترمون كما يرمون ؟ قال: بلى, قال فأنت حاج, ثم قال ابن عمر جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عما سألت عنه, فنزلت هذه الاَية {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} ورواه عبد بن حميد في تفسيره عن عبد الرزاق به, وهكذا روى هذا الحديث أبو حذيفة عن الثوري مرفوعاً, وهكذا روي من غير هذا الوجه مرفوعاً, فقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة, حدثنا عباد بن العوام عن العلاء بن المسيب عن أبي أمامة التيمي, قال: قلت لابن عمر: إنا أناس نكري في هذا الوجه إلى مكة, وإن أناساً يزعمون أنه لا حج لنا, فهل ترى لنا حجاً ؟ قال: ألستم تحرمون وتطوفون بالبيت وتقضون المناسك ؟ قال: قلت: بلى, قال «فأنتم حجاج» ثم قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألت فلم يدر ما يعود عليه, أو قال: فلم يرد شيئاً حتى نزلت {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} فدعا الرجل فتلاها عليه, وقال «أنتم حجاج» وكذا رواه مسعود بن سعد وعبد الواحد بن زياد وشريك القاضي عن العلاء بن المسيب مرفوعاً وقال ابن جرير: حدثني طليق بن محمد الواسطي, حدثنا أسباط هو ابن محمد, أخبرنا الحسن بن عمرو هو الفقيمي عن أبي أمامة التيمي, قال: قلت لابن عمر: إنا قوم نكري, فهل لنا حج ؟ فقال: أليس تطوفون بالبيت, وتأتون المعرف, وترمون الجمار, وتحلقون رؤوسكم ؟ قلنا: بلى, قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني عنه, فلم يدر ما يقول له حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الاَية {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} إلى آخر الاَية, وقال النبي صلى الله عليه وسلم «أنتم حجاج» وقال ابن جرير: حدثني أحمد بن إسحاق, حدثنا أبو أحمد, حدثنا غندر عن عبد الرحمن بن المهاجر عن أبي صالح مولى عمرو قال: قلت: يا أمير المؤمنين, كنتم تتجرون في الحج ؟ قال: وهل كانت معايشهم إلا في الحج ؟
وقوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام} إنما صرف عرفات وإن كان علماً على مؤنث, لأنه في الأصل جمع كمسلمات ومؤمنات, سمي به بقعة معينة فروعي فيه الأصل فصرف, اختاره ابن جرير, وعرفة موضع الوقوف في الحج, وهي عمدة أفعال الحج, ولهذا روى الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن الثوري عن بكير عن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الحج عرفات ـ ثلاثاً ـ فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك, وأيام منى ثلاثة, فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه, ومن تأخر فلا إثم عليه» ووقت الوقوف من الزوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر الثاني من يوم النحر, لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بعد أن صلى الظهر إلى أن غربت الشمس, وقال «لتأخذوا عني مناسككم» وقال في هذا الحديث «فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك» وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي, رحمهم الله, وذهب الإمام أحمد إلى أن وقت الوقوف من أول يوم عرفة, واحتجوا بحديث الشعبي عن عروة بن مضرس بن حارثة بن لام الطائي, قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت: يا رسول الله, إني جئت من جبل طيء, أكللت راحلتي, وأتعبت نفسي, والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه, فهل لي من حج ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد صلاتنا هذه, فوقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً, فقد تم حجه وقضى تفثه» رواه الإمام أحمد وأهل السنن, وصححه الترمذي, ثم قيل: إنما سميت عرفات لمارواه عبد الرزاق: أخبرني ابن جريج, قال: قال ابن المسيب: قال علي بن أبي طالب: بعث الله جبريل عليه السلام إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم فحج به, حتى إذا أتى عرفة قال: عرفت, وكان قد أتاها مرة قبل ذلك, فلذلك سميت عرفة وقال ابن المبارك عن عبد الملك بن أبي سليمان, عن عطاء, قال: إنما سميت عرفة لأن جبريل كان يري إبراهيم المناسك فيقول: عرفت عرفت, فسميت عرفات, وروي نحوه عن ابن عباس وابن عمر وأبي مجلز, فالله أعلم, وتسمى عرفات المشعر الحرام, والمشعر الأقصى, وإلال على وزن هلال, ويقال للجبل في وسطها: جبل الرحمة, قال أبو طالب في قصيدته المشهورة:
وبالمشعر الأقصى إذا قصدوا لهإلال إلى تلك الشراج القوابل
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا حماد بن الحسن بن عنبسة, حدثنا أبو عامر عن زمعة هو ابن صالح, عن سلمة بن وهرام, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يقفون بعرفة حتى إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال كأنها العمائم على رؤوس الرجال دفعوا, فأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدفعة من عرفة حتى غربت الشمس ورواه ابن مردويه من حديث زمعة بن صالح وزاد: ثم وقف بالمزدلفة وصلى الفجر بغلس, حتى إذا أسفر كل شيء وكان في الوقت الاَخر, دفع, وهذا حسن الإسناد, وقال ابن جريج عن محمد بن قيس عن المسور بن مخرمة, قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفات, فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال «أما بعد ـ وكان إذا خطب خطبة قال: أما بعد ـ فإن هذا اليوم الحج الأكبر, ألا وإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون في هذا اليوم قبل أن تغيب الشمس إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجهها, وإنا ندفع بعد أن تغيب الشمس, وكانوا يدفعون من المشعر الحرام بعد أن تطلع الشمس إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها, وإنا ندفع قبل أن تطلع الشمس مخالفاً هدينا هدي أهل الشرك», هكذا رواه ابن مردويه, وهذا لفظه, والحاكم في مستدركه, كلاهما من حديث عبد الرحمن بن المبارك العيشي عن عبد الوارث بن سعيد عن ابن جريج, وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه, وقد صح وثبت بما ذكرناه سماع المسور من رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا كما يتوهمه بعض أصحابنا أنه من له رؤية بلا سماع, وقال وكيع, عن شعبة, عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي, عن المعرور بن سويد, قال: رأيت عمر رضي الله عنه حين دفع عن عرفة كأني أنظر إليه رجل أصلع على بعير له يوضع وهو يقول: إنا وجدنا الإفاضة هي الإيضاع, وفي حديث جابر بن عبد الله الطويل الذي في صحيح مسلم, قال فيه: فلم يزل واقفاً ـ يعني بعرفة ـ حتى غربت الشمس, وبدت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص, وأردف أسامة خلفه, ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله, ويقول بيده اليمنى: «أيها الناس السكينة السكينة» كلما أتى جبلاً من الجبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد حتى أتىَ المزدلفة, فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين, ولم يسبح بينهما شيئاً, ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر, حتى تبين له الصبح بأذان وإقامة, ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام, فاستقبل القبلة, فدعا الله وكبره وهلله ووحده, فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً, فدفع قبل أن تطلع الشمس, وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد أنه سئل: كيف كان يسير رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دفع ؟ قال: كان يسير العنق, فإذا وجد فجوة نص. والعنق هو انبساط السير, والنص فوقه, وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو محمد ابن بنت الشافعي فيما كتب إليّ عن أبيه أو عمه, عن سفيان بن عيينة قوله {فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام} وهي الصلاتين جميعاً, وقال أبو إسحاق السبيعي, عن عمرو بن ميمون: سألت عبد الله بن عمرو عن المشعر الحرام, فسكت حتى إذا هبطت أيدي رواحلنا بالمزدلفة, قال: أين السائل عن المشعر الحرام, هذا المشعر الحرام, وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر, عن الزهري, عن سالم, قال: قال ابن عمر: المشعر الحرام المزدلفة كلها. وقال هشيم, عن حجاج, عن نافع, عن ابن عمر: أنه سئل عن قوله {فاذكروا الله عند المشعر الحرام} قال: فقال: هذا الجبل وما حوله. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن المغيرة, عن إبراهيم, قال: فرآهم ابن عمر يزدحمون على قزح, فقال: على ما يزدحم هؤلاء, كل ههنا مشعر. وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد والسدي والربيع بن أنس والحسن وقتادة أنهم قالوا: هو ما بين الجبلين. وقال ابن جريج: قلت لعطاء: أين المزدلفة ؟ قال: إذا أفضت من مأزمي عرفة فذلك إلى محسر, قال: وليس المأزمان عرفة من المزدلفة, ولكن مفاضاهما, قال: فقف بينهما إن شئت, قال: وأحب أن تقف دون قزح هلم إلينا من أجل طريق الناس. (قلت) والمشاعر هي المعالم الظاهرة, وإنما سميت المزدلفة المشعر الحرام, لأنها داخل الحرم, وهل الوقوف بها ركن في الحج لا يصح إلا به, كما ذهب إليه طائفة من السلف وبعض أصحاب الشافعي منهم القفال وابن خزيمة لحديث عروة بن مضرس ؟ أو واجب كما هو أحد قولي الشافعي يجبر بدم ؟ أو مستحب لا يجب بتركه شيء كما هو القول الاَخر ؟ في ذلك ثلاثة أقوال للعلماء لبسطها موضع آخر غير هذا, والله أعلم. وقال عبد الله بن المبارك, عن سفيان الثوري, عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «عرفة كلها موقف, وارفعوا عن عرنة, وجمع كلها موقف إلا محسراً» هذا حديث مرسل, وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة, حدثنا سعيد بن عبد العزيز حدثني سليمان بن موسى عن جبير بن مطعم, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «كل عرفات موقف, وارفعوا عن عرنة, وكل مزدلفة موقف, وارفعوا عن محسر, وكل فجاج مكة منحر, وكل أيام التشريق ذبح» وهذا أيضاً منقطع, فإن سليمان بن موسى هذا, وهو الأشدق, لم يدرك جبير بن مطعم, ولكن رواه الوليد بن مسلم وسويد بن عبدالعزيز, عن سليمان, فقال الوليد, عن جبير بن مطعم عن أبيه, وقال سويد عن نافع بن جبير عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره, والله أعلم.
وقوله {واذكروه كما هداكم} تنبيه لهم على ما أنعم الله به عليهم من الهداية والبيان والإرشاد إلى مشاعر الحج على ما كان عليه من الهداية إبراهيم الخليل عليه السلام, ولهذا قال {وإن كنتم من قبله لمن الضالين} قيل: من قبل هذا الهدى وقبل القرآن وقبل الرسول, والكل متقارب ومتلازم وصحيح.

** ثُمّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ
ثم ـ ههنا ـ لعطف خبر على خبر وترتبيه عليه, كأنه تعالى أمر الواقف بعرفات أن يدفع إلى المزدلفة ليذكر الله عند المشعر الحرام, وأمره أن يكون وقوفه مع جمهور الناس بعرفات, كما كان جمهور الناس يصنعون, يقفون بها إلا قريشاً فإنهم لم يكونوا يخرجون من الحرم فيقفون في طرف الحرم عند أدنى الحل, ويقولون: نحن أهل الله في بلدته وقطان بيته, قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا محمد بن حازم, حدثنا هشام, عن أبيه, عن عائشة, قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة, وكانوا يسمون الحمس, وسائر العرب يقفون بعرفات, فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها, فذلك قوله {من حيث أفاض الناس} وكذا قال ابن عباس ومجاهد وعطاء وقتادة والسدي وغيرهم, واختاره ابن جرير وحكى عليه الإجماع, وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن عمرو عن مجاهد عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه, قال: أضللت بعيراً لي بعرفة فذهبت أطلبه, فإذا النبي صلى الله عليه وسلم واقف, قلت: إن هذا من الحمس ما شأنه ههنا ؟ أخرجاه في الصحيحين, ثم رواه البخاري من حديث موسى بن عقبة, عن كريب, عن ابن عباس: ما يقتضي أن المراد بالإفاضة ههنا هي الإفاضة من المزدلفة إلى منى لرمي الجمار, فالله أعلم, وحكاه ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم فقط. قال: والمراد بالناس إبراهيم عليه السلام, وفي رواية عند الإمام, قال ابن جرير: ولولا إجماع الحجة على خلافه لكان هو الأرجح.
وقوله {واستغفروا الله إن الله غفور رحيم} كثيراً ما يأمر الله بذكره بعد قضاء العبادات, ولهذا ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , كان إذا فرغ من الصلاة يستفغر اللهثلاثاً, وفي الصحيحين أنه ندب إلى التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثاً وثلاثين. وقد روى ابن جرير ههنا حديث ابن عباس بن مرداس السلمي, في استغفاره صلى الله عليه وسلم لأمته عشية عرفة, وقد أوردناه في جزء جمعناه في فضل يوم عرفة, وأورد ابن مردويه ههنا الحديث الذي رواه البخاري عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي, لا إله إلا أنت, خلقتني وأنا عبدك, وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت, أعوذ بك من شر ما صنعت, أبوء لك بنعمتك عليّ, وأبوء بذنبي, فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت, من قالها في ليلة فمات في ليلته دخل الجنة, ومن قالها في يومه فمات دخل الجنة», وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو أن أبا بكر قال: يا رسول الله, علمني دعاء أدعو به في صلاتي, فقال «قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك, وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم» والأحاديث في الاستغفار كثيرة.

** فَإِذَا قَضَيْتُمْ مّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدّ ذِكْراً فَمِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ رَبّنَآ آتِنَا فِي الدّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الاَخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ * وِمِنْهُمْ مّن يَقُولُ رَبّنَآ آتِنَا فِي الدّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النّارِ * أُولَـَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مّمّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ
يأمر تعالى بذكره والإكثار منه بعد قضاء المناسك وفراغها, وقوله {كذكركم آباءكم} اختلفوا في معناه, فقال ابن جريج عن عطاء: هو كقول الصبي أبه أمه, يعني كما يلهج الصبي بذكر أبيه وأمه, فكذلك أنتم فالهجوا بذكر الله بعد قضاء النسك, وكذا قال الضحاك والربيع بن أنس, وروى ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس نحوه, وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم فيقول الرجل منهم: كان أبي يطعم ويحمل الحمالات, ويحمل الديات, ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم, فأنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم {فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكر}, قال ابن أبي حاتم : وروى السدي, عن أنس بن مالك وأبي وائل وعطاء بن أبي رباح في أحد قوليه وسعيد بن جبير وعكرمة في أحد رواياته, ومجاهد والسدي وعطاء الخراساني والربيع بن أنس والحسن وقتادة ومحمد بن كعب ومقاتل بن حيان نحو ذلك, وهكذا حكاه ابن جرير عن جماعة والله أعلم, والمقصود منه الحث على كثرة الذكر لله عز وجل, ولهذا كان انتصاب قوله, أو أشد ذكراً على التمييز, تقديره كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً, وأو ـ ههنا ـ لتحقيق المماثلة في الخبر كقوله {فهي كالحجارة أو أشد قسوة} وقوله {يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية} {فأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} {فكان قاب قوسين أو أدنى} فليست ههنا للشك قطعاً, وإنما هي لتحقيق المخبر عنه كذلك أو أزيد منه, ثم إنه تعالى أرشد إلى دعائه بعد كثرة ذكره فإنه مظنة الإجابة, وذم من لا يسأله إلا في أمر دنياه وهو معرض عن أخراه, فقال {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وماله في الاَخرة من خلاق} أي من نصيب ولا حظ, وتضمن هذا الذم والتنفير عن التشبه بمن هو كذلك, قال سعيد بن جبير, عن ابن عباس: كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون: اللهم اجعله عام غيث, وعام خصب, وعام ولاد حسن, لا يذكرون من أمر الاَخرة شيئاً, فأنزل الله فيهم {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وماله في الاَخرة من خلاق} وكان يجيء بعدهم آخرون من المؤمنين فيقولون {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي ألاَخرة حسنة وقنا عذاب النار} فأنزل الله {أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب} ولهذا مدح من يسأله الدنيا والأخرى, فقال: {ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاَخرة حسنة وقنا عذاب النار} فجمعت هذه الدعوة كل خير في الدنيا وصرفت كل شر, فإن الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي من عافية, ودار رحبة, وزوجة حسنة, ورزق واسع, وعلم نافع, وعمل صالح, ومركب هني, وثناء جميل إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عبارات المفسرين, ولا منافاة بينها, فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا, وأما الحسنة في الاَخرة, فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العرصات, وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الاَخرة الصالحة, وأما النجاة من النار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم والاَثام وترك الشبهات والحرام, وقال القاسم بن عبد الرحمن: من أعطي قلباً شاكراً, ولساناً ذاكراً, وجسداً صابراً, فقد أوتي في الدنيا حسنة, وفي الاَخرة حسنة, ووقي عذاب النار, ولهذا وردت السنة بالترغيب في هذا الدعاء, فقال البخاري: حدثنا أبو معمر, حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز, عن أنس بن مالك, قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة, وفي الاَخرة حسنة, وقنا عذاب النار» وقال أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم, حدثنا عبد العزيز بن صهيب, قال: سأل قتادة أنساً: أي دعوة كان أكثر ما يدعوها النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: يقول «اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة, وفي الاَخرة حسنة, وقنا عذاب النار» وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها, وإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها ورواه مسلم, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أبو نعيم,حدثنا عبد السلام بن شداد يعني أبا طالوت, قال: كنت عند أنس بن مالك, فقال له ثابت: إن إخوانك يحبون أن تدعو لهم, فقال: «اللهم آتنا في الدينا حسنة, وفي الاَخرة حسنة, وقنا عذاب النار» وتحدثوا ساعة, حتى إذا أرادوا القيام قال: يا أبا حمزة, إن إخوانك يريدون القيام, فادع الله لهم, فقال: أتريدون أن أشقق لكم الأمور إذا آتاكم الله في الدنيا حسنة وفي الاَخرة حسنة, ووقاكم عذاب النار, فقد آتاكم الخير كله, وقال أحمد أيضاً: حدثنا محمد بن أبي عدي عن حميد عن ثابت, عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً من المسلمين قد صار مثل الفرخ, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «هل تدعو الله بشيء أو تسأله إياه ؟ قال: نعم, كنت أقول اللهم ما كنت معاقبي به في الاَخرة فعجله لي في الدنيا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سبحان الله لا تطيقه أو لا تستطيعه, فهلا قلت {ربنا آتنا في الدنيا حسنة, وفي الاَخرة حسنة, وقنا عذاب النار} قال: فدعاه فشفاه, انفرد بإخراجه مسلم, فرواه من حديث ابن أبي عدي به وقال الإمام الشافعي: أخبرنا سعيد بن سالم القداح عن ابن جريج, عن يحيى بن عبيد مولى السائب, عن أبيه, عن عبد الله بن السائب: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما بين الركن اليماني والركن الأسود: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة, وفي الاَخرة حسنة, وقنا عذاب النار} ورواه الثوري عن ابن جريج كذلك. وروى ابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك, وفي سنده ضعف, والله أعلم. وقال ابن مردويه: حدثنا عبد الباقي, أخبرنا أحمد بن القاسم بن مساور, حدثنا سعيد بن سليمان عن إبراهيم بن سليمان عن عبد الله بن هرمز, عن مجاهد, عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما مررت على الركن إلا رأيت عليه ملكاً يقول آمين, فإذا مررتم عليه فقولوا {ربنا آتنا في الدنيا حسنة, وفي الاَخرة حسنة, وقنا عذاب النار}» وقال الحاكم في مستدركه: حدثنا أبو زكريا العنبري, حدثنا محمد بن عبد السلام, حدثنا إسحاق بن إبراهيم, أخبرنا جرير عن الأعمش, عن مسلم البطين, عن سعيد بن جبير, قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال. إني أجرت نفسي من قوم على أن يحملوني, ووضعت لهم من أجرتي على أن يدعوني أحج معهم, أفيجزي ذلك ؟ فقال: أنت من الذين قال الله: {أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب} ثم قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه.